من بين أهم إنجازات علم الفلك، خلال السنوات الأخيرة، قياس المكونات الأساسية للكون، إذ تُشكل نسبة المادة العادية (المتكونة من الذرات) فقط 5 في المائة من مكونات المجرات والنجوم والكواكب والغازات، في حين تَظل نسبة 95 في المائة من مجموع كتلة الكون مجهولة، إذن ماهي هذه المادة؟ وما هو دورها في مصير الكون؟ وكيف ستكون نهاية الكون فيزيائيا؟
نهاية الكون فيزيائيا |
نهاية الكون فيزيائيا :
يمكن قياس
كتلة مجرة درب التبانة، التي تحتوي على حوالي 200 مليار نجم، باستعمال سرعة
مدارية النجوم حول مركزها.
وبحسب
قوانين الجاذبية التي أرسى دعائمها "نيوتن"، فإن سرعة النجوم قرب مركز
المجرة أكبر من تلك التي تدور في أطرافها، لكون الجاذبية تضعف كلما ابتعدنا عن عن
مركز المجرة، مع العلم أن سرعة الشمس تبلغ 900 ألف كلمتر في الساعة وتستغرق حوالي
225 مليون سنة لتكمل دورتها الواحدة حول مركزها.
وتُثبت
القياسات الرصدية أن سرعة النجوم في أطراف المجرة لا تختلف كثيرا عن سرعة النجوم
قرب مركزها، فالمادة العادية التي تحتوي عليها المجرات من نجوم، وكواكب،
وغازات وثقوب سوداء ليست كافية لتفسير هذه السرعة والمحافظة على تماسك المجرة،
لأنه لولا وجود مادة إضافية في المجرة لتناثرت هذه النجوم في الفضاء وبالتالي
تمزقها وخروجها عن مسارها.
وتُعرف
هذه المادة الإضافية المجهولة، التي تشكل حوالي 6 أضعاف المادة العادية من الكتلة
الاجمالية للمجرة، بالمادة المظلمة، فهي لا تتفاعل مع الضوء ولا يمكن رصدها أو
رؤيتها بشكل مباشر، بل نستطيع الاستدلال على وجودها من خلال تفاعلاتها الجاذبية مع
المادة العادية، وهي تمثل 26 في المائة من مركبات الكون.
هل الكون يتوسع؟
ومن
المعروف أن الكون يتوسع ويتمدد نتيجة الانفجار العظيم، ويُعتقد أن تمدده يتباطأ
بسبب الجاذبية الجماعية للمجرات، لكن المفاجئة أتت في سنة 1998 حينما أثبت علماء
الفلك، الذين حصلوا على جائزة نوبل سنة 2011، أن الكون يتمدد وبشكل متسارع.
ويسود
اعتقاد بأن سبب تسارع وتمدد الكون يرجع إلى قوة معاكسة للجاذبية، المعروفة بالطاقة
المظلمة، والتي تمثل حوالي 69 في المائة من الطاقة أو الكتلة الكونية.
وتعتبر
الطاقة المظلمة أكبر مشكل يواجهه علماء فيزياء الفلك لأنه لانعرف لحد الآن طبيعتها
ولم تتم الإجابة عن سؤال مدى ارتفاعها في المستقبل؟ وهل ستنخفض أم ستظل ثابتة؟.
يبدو أن
مصير الكون مرتبط بصراع بين هاتين القوتين المتمثلين في المادة المظلمة الجاذبية
والطاقة المظلمة المتنافرة.
وإذا بقيت
الطاقة المظلمة ثابتة، فإن الكون سيستمر في تسارعه وتسحب المجرات بعيدا، مما يؤدي
إلى انخفاض كثافة المادة في الكون ودرجة حرارته، وتتوقف النجوم والمجرات من التشكل
بسبب نفاذ الوقود، ويصبح الكون في النهاية مظلما وباردا وفارغا.
إن هذا النموذج، المعروف بالتجمد العظيم، يحظى بدعم
أغلبية العلماء لأنه يتوافق بشكل جيد مع النتائج الرصدية لعلماء الفلك.
أما اذا
تغيرت الطاقة المظلمة، فقد يتباطأ الكون، بفعل جاذبية المجرات (المادة المظلمة
والعادية)، ويتوقف عن التمدد ثم ينهار على نفسه وينكمش، ويعود إلى نقطة بدايته،
ويطلق على هذه النظرية الانسحاق العظيم.
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى التأكيد أن
الكون، الذي نعيش فيه، هو أحد التكرارات الدورية المتنوعة لأكوان سابقة وأنه نتيجة
سلسة مستمرة من التوسع والانكماش
ومن بين
مؤيدي نظرية الكون الدوري العالم الفيزيائي روجير بينروز الذي فاز بجائزة نوبل سنة
2020.
وتظل المادة والطاقة المظلمتين من أكبر
الألغاز التي لم يتم حلها في مجال الفيزياء، ولذلك من الصعب للغاية التنبؤ بالمصير
المحتمل للكون لأن الفلكيين لا يزالون يسبرون أغواره على أمل فهم أفضل لكيفية
بدايته ونهايته.